إلى ملف المصريين فى الخارج وقضاياهم وهمومهم وأوجاعهم وأفكارهم.. نكمل السير فى هذا الاتجاه، فلعل وعسى أن نشارك بفاعلية ونقدم جديدا فى ملف طالما شغل أذهان الكثيرين وأثار العديد من النقاشات والآراء والجدل، ففى وقت سابق وعندما تناولت بالكتابة والنشر فكرة لمجموعة من أقباط المهجر تتحدث عن إنشاء برلمان قبطى فى الخارج ويزعم أصحابها أنهم فكروا فى ذلك فقط لإخراج أقباط "الداخل" من عزلتهم السياسية بل وجمع كل الأقباط تحت مظلة سياسية، لم أكن أتوقع كل هذا الصدى بالرفض الذى قوبلت به الفكرة وكيف أن الغالبية من الآراء التى وصلتنى لم تخرج عن كونها قولا واحدا.. إنها فكرة مسمومة ضد الوطن، أيضا لم يخطر ببالى أبدا أن تثير هذه الفكرة حفيظة وانتباه ومشاعر المصريين فى المهجر "مسلمين وأقباط إذ اتصلوا بنا وراحوا يؤكدون رفضهم لأى فكرة تستهدف الوطن، وكلمة فحوار فنقاش فحوار مفتوح على مصراعيه، وجدت نفسى واضطراريا أدخل إلى هذا الملف.. ملف المصريين فى الخارج، وكيف يفكر ويرى هؤلاء المصريون وأبنائهم بلادهم الجديدة وبلادهم الأم ومستقبلها بعد كل هذه السنوات من الهجرة والغربة، وهنا ربما تكمن عبقرية الانتماء المصرية.. الحنين الدائم ورغبة السير الجارفة باتجاه الوطن.
أعتقد أنها مفاجأة بالنسبة لكم مثلما كانت هى مفاجأة لى، عندما التقيت بالدكتور عاطف طرفة أستاذ الهندسة المعمارية وتخطيط المدن وسكرتير المجلس التمثيلى للجمعيات والاتحادات المصرية فى فرنسا وقال لى: هل تصدق أنه لم ولا توجد حتى الآن جالية مصرية فى فرنسا والمعروف لكلمة جالية أنها يمكن أن تجمع كل المصريين فى فرنسا، سواء تجمعهم على كلمة سواء أو تتحدث عنهم وتحمل قضاياهم ومشكلاتهم إلى الجهات الفرنسية أو الرسمية المصرية.
قلت: ولكن نسمع دائما عن أن هناك رئيسا للجالية المصرية وفى مؤتمرات كثيرة هنا رأينا أيضا من يتحدث باسم الجالية المصرية فهل يمكن أن تفسر لى ذلك؟
أجاب الرجل وهو يبتسم: هذه مجرد جمعية صغيرة اسمها الجالية المصرية يترأسها رجل أعمال اسمه صالح فرهود وأعتقد أنه هو الذى تقصده وقد جاء فعلا إلى القاهرة وتحدث باسم الجالية المصرية "الجمعية" وليس الجالية الكيان الأشمل والأعم، وهذا هو الخلط الذى حدث لدى أذهان الكثيرين هنا فى مصر.. ولابد أن تعرف أنه وقبل خمس سنوات وكثيرا وللأسف حاولنا تأسيس هذه الجالية وبالمعنى الذى تقصده ويقصده الجميع إلا أننا فشلنا ولم نستطع بسبب رغبة كل مجموعة من المصريين أن تعمل بمفردها ويكون لها عنوانها وشعارها وكيانها المستقل.
ويبدو أن هذه الحالة من الانقسام والمنافسة الكاذبة بين الجمعيات والأندية والروابط المصرية فى فرنسا حسب مافهمت من الدكتور طرفة هو الدافع والمحفز الذى جعل رؤساء وممثلى عدد من هذه الجمعيات والروابط والتى تزايدت أعدادها فى الفترة الأخيرة مابين باريس وضواحيها حتى بلغت أكثر من 400 جمعية ونادى ورابطة يجتمعون فى شهر يونيو الماضى والاتفاق على تأسيس المجلس التمثيلى للجمعيات والاتحادات المصرية ليضم جميع قيادات هذه الجمعيات والروابط ويحفظ لها حقها المشروع فى مزاولة أنشطتها والحفاظ على خصوصيتها دون المساس بها.
لقد وضع هذا المجلس التمثيلى ومنذ تأسيسه عدة مهام على رأس أجندة أعماله كان أهمها: التصدى للظواهر السلبية بين صفوف الجالية فى فرنسا وتقديم تقرير سنوى لرئيس الوزراء المصرى الدكتور أحمد نظيف عن أوضاع الجالية فى الخارج وفى فرنسا على وجه الخصوص مع إبلاغه بجميع الصعوبات والمشاكل التى تواجه أبناء مصر أثناء تعاملهم مع الجهات الرسمية المصرية فماهى إذن أهم هذه الظاهر السلبية التى يراها هذا المجلس بين مصريين فرنسا وماذا يمكن أن يحتوى التقرير المزمع تقديمه إلى رئيس الوزراء وفى أى وقت سيتم تقديمه.. هكذا رحت أسأل سكرتير اتحاد هذا المجلس فأجاب: أولا لابد من الاعتراف بأن الجالية المصرية فى فرنسا تعد من أحسن الجاليات، فنحن كمصريين ربما نتفرد بين الجاليات الأخرى أننا الأكثر حرصا على تعليم أولادنا وإلحاقهم بالمدارس والجامعات، لكن تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية ودخول شباب صغار السن أعمارهم ربماما تترواح مابين 14، 15 عاما عن طريق هذه الهجرة، ربما أحدث خللا كبيرا ومشاكل أكبر، ومن المحزن ألا نعرف لماذا السفارة المصرية فى باريس لا تقترب من هذا الملف ولا تتعامل معه مع أنه قد يشكل خطورة كبيرة على أوضاع المصريين هناك، نعم هناك جمعيات فرنسية وتخضع للقانون الفرنسى أسسها مصريون فرنسيون، لكن فى النهاية هذا لايمنع أن تلجأ هذه الجمعيات ومؤسسيسها للسفارة فهى الوطن الأم وحل هذه المشكلة تهم مصر قبل أن تهم فرنسا.
ويستطرد طرفة فى الإشارة إلى بقية الظواهر السلبية التى تؤرق المصريين بفرنسا فيقول: هل تصدق أن المصريين عندما يرغبون فى تعليم أبنائهم اللغة العربية يذهبون بهم إلى بيوت مغربية وتونسية، وهناك جمعية لبنانية شيعية تقوم بتعليم اللغة العربية لجأ إليها مصريون لتعليم أبنائهم ومنهم من تحول إلى المذهب الشيعى تأثرأ من التردد والذهاب لهذه الجمعية.
سألته إذن أنت تريد أن تقول وبوضوح لا توجد مدرسة لتعليم العربية وربط الجيل الثانى والثالث من المصريين الفرنسين بالوطن الأم؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]بحسم وحزم أجاب: نعم فمع الأسف كلما فكرنا فى برنامج تعلم يربط مصر الأم بأبنائها، يأتى من يتآمر عليه ويجهضه، ولك أن تعرف بأن هناك كانت لدى السفارة المصرية شقة صغيرة تستخدمها لهذا الغرض التعليمى وبها مدرسون مصريون تم إغلاقها، وأعتقد لو أن السفارة المصرية جادة فى إعادة افتتاح هذه المدرسة لخاطبت بلدية باريس فى ذلك أو يكون على الأقل تخصيص يوم واحد وهو يوم الأجازة فى إحدى المدارس الفرنسية نستفيد به فى هذه المسألة، إلا أن من أهم تلك الظواهر والتى يبدو أنها بدأت تسبب إزعاجا وقلقا هناك – يقول طرفة – ذلك النشاط المتزايد الذى تقوم به هذه المجموعة من نشطاء أقباط المهجر، خاصة من هؤلاء الداعين إلى فكرة إنشاء البرلمان القبطى، فالمصريون فى فرنسا "مسلمين وأقباط" تلاحظ أنهم اعتادوا على العيش معا، والشراكة فى العمل والسكن ولدينا نماذج مصرية كثيرة تؤكد هذا المعنى وهذا الوحدة الوطنية ممثلة فى مطاعم يملكها أقباط ويعمل بها مسلمون، محلات خضروات وفواكه يملكها مسلمون ومسيحيون الخ من الحكايات والصور الجميلة التى يعرفها عنا الفرنسيون ذاتهم، حتى جاء هؤلاء أو من يلقبون أنفسهم بالنشطاء الأقباط ومحاولة قيامهم بإعلاء شأن الحديث عن الاضطهاد الدينى فى مصر والعمل على ترسيخ وتكريس هذا المفهوم واللعب علية لأغراض شخصية ومالية.. نحن ننبه إلى هذا الخطر وضرورة التصدى له.. فلا أحد يعلم ماذا يخبئ هؤلاء وماذا يريدون بالضبط من وراء تلك الأفكار والأنشطة التى نشعر أنها تتزايد.
ومن الحديث عن هذه الظواهر السلبية إلى الحديث عن التقرير السنوى المزمع أن يقدمه مصريو فرنسا من خلال مجلسهم التمثيلى هذا إلى رئيس الوزراء نظيف يخبرنا سكرتير المجلس أن التقرير من المتوقع أن يحتوى على التالى: قائمة كاملة بأسماء الكفاءات المصرية المشهود لها فرنسيا وعالميا فى مجالات الهندسة والطب والعمارة والتخطيط وتكنولوجيا الاتصالات موضحا بأن هذه الكفاءات على أتم الاستعداد والجهوزية بأن تسخر طاقاتها وإبداعاتها لخدمة الوطن الأم وتنميته دون شروط المهم أن يتم الاستفادة منهم، كذلك سوف يركز التقرير على خطة تفصيلية وضعتها لجنة من لجان المجلس أعدت خصيصا لهذا الغرض تتضمن كيف يمكن احتضان الوطن الأم الجيل الثانى والثالث من أبناء المصريين فى فرنسا بتنظيم رحلات جماعية لهم بأسعار مخفضة لمصر على أن تشمل هذه الرحلات إطلاعهم على المراكز البحثية والأماكن السياحية ولامانع من أن يتم استضافتهم فى وحدات عسكرية لغرس مزيد من الانتماء فيهم، فإسرائيل والعهدة على الدكتور عاطف طرفة تقوم وسنويا بعمل برامج تأخذ فيها الشباب اليهود إلى تل أبيب وتربطهم بها بمزيد من المعلومات التاريخية والرحلات من هذا النوع، إن الخبر الذى لم أتوقعه وربما سيحمله التقرير كمعلومة هو أن كثير من الطلاب المصريين والعرب الدراسين فى الجامعات والمراكز البحثية الفرنسية، إسرائيل تستفيد منهم استفادة تامة وكاملة كيف؟!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تقول المعلومة: إن أكثر من 90 بالمائة من أساتذة الجامعات الفرنسية من اليهود ولأن الطلاب العرب والمصريين يدرسون ويقومون بإجراء أبحاثهم الدراسية تحت إشراف هؤلاء الأساتذة وتوجيهاتهم، فالذى يحدث أن هؤلاء الأساتذة هم الذين يحددون نوعية هذه الأبحاث وأهدافها ويسخرون طلابهم المصريين والعرب لتنفيذها، وقد سبق أن أكد أحد العلماء العرب فى فرنسا فى تصريحات صحفية، أن هناك كثيرا من الأبحاث العلمية المهمة والفائقة الأهمية أجراها طلاب مصريون ولكن للأسف سرقت منهم ونسبت لغيرهم لمجرد أنه لا يوجد مركز توثيق مصرى لهذه الأبحاث يحافظ عليها ويحميها، ولذلك إيران سارعت بإنشاء مركز لتوثيق أبحاث أبنائها فى طهران، فلا يمكن أن تحصل على بحث إيرانى إلا بعد أن يتم اعتماده وتوثيقه من هذا المركز وباللغة الإيرانية.
فى الحقيقة لا أعرف لماذا نحن فى مصر لا نفعل ذلك، لماذا لا نفعل مثلما يفعل المغاربة والجزائريون على تقديم التسهيلات للمصريين المهاجرين بجذبهم لقضاء أجازاتهم داخل الوطن الأم وإعداد عبارات أو أى وسائل انتقال مخفضة الثمن لكى يأتى هؤلاء المهاجرون إلى بلدهم وتحقيق مزيد من الارتباط بوطنهم.
وتبقى المشكلة الأكبر وهى مسألة التحويلات النقدية للمصرين، فهل يعقل أنه فى فرنسا لا يوجد إلا بنك وطنى واحد وهو بنك مصر لا يوافق على تحويل أكثر من ألفين يورو، ولذا لا يتعامل معه إلا أعضاء السفارة والقنصلية.
يبدو أن هموم المصريين الفرنسيين كثيرة وتقريرهم المنتظر تقديمه إلى رئيس الوزراء فى نهاية يونيو الجارى سيحتوى على العديد من المفاجآت الغير سارة، وفى مقدمة هذه المفاجآت أن عددا من هؤلاء المصريين أنشأوا جمعيات وهمية حصلوا باسمها على موافقات بتخصيص أراضٍ فى مصر يتاجرون فيها ويتربحون.
ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن ملف المصريين فى الخارج هو واحد من أهم الملفات التى لا يجب إغلاقها والتغاضى عنها، وإنما لابد من مزيد من الاقتراب والبحث فى قلب تلك القضية التى طالما ولا تزال تثير كثير من الجدل، والملف مازال مفتوحا.